طوفان الأقصى

نقاط على الحروف

عن دورنا في مواجهة الحرب الأمنية‎
23/01/2024

عن دورنا في مواجهة الحرب الأمنية‎

ليلى عماشا

شاع في الآونة الأخيرة مصطلح "الحرب الأمنية" للتعبير عن الاستهدافات التي ينفذها العدوّ في مختلف دول المحور، والتي يغتال عبرها شخصيات مؤثرة وفق قائمة أهداف لديه. وبذلك هو يقوم بضربات مؤلمة بدون أن يتورّط في مواجهات مباشرة من جهة، ومن جهة أخرى، يبقى لديه هامش الإعتراف بمسؤوليته عنها من عدمه.

مع تصاعد وتيرة هذا النوع من العمليات في المنطقة، ولا سيّما في لبنان، ومع إمكانية أن تتوسّع دائرة هذه الاستهدافات طالما بإمكان العدو أن يحصل على أسماء وصور يحدّد من خلالها بنك أهدافه، تصبح مواجهة هذا النوع من العمليات مسؤولية مجتمعية، بمعنى أنّها لا تعود متعلقة حصرًا بالجسم التنظيمي للمقاومة، بل ترتبط بكلّ فرد في المجتمع، مهما كان نوع ارتباطه بأيّ مقاوم، بل حتى لو لم يكن مرتبطًا بشكل مباشر بأي فرد من المقاومة.

في الحرب الأمنية، ولا سيّما مع عدوّ يمتلك التقنيات والأدوات التكنولوجية الهائلة بالإضافة إلى العملاء الميدانيين والمنصات الإفتراضية الوهمية التي تجمع المعلومات وحتى تجنيد الأفراد تحت عناوين مختلفة، تتضاعف مسؤولية كلّ فرد ويكبر دوره في صناعة السّاتر الذي ينبغي أن لا يُخترق، لأن مجرّد اختراقه وإن في نقاط متفرّقة وقليلة، يُمكّن العدو من عمل تحديث مستمر للائحة أهدافه.

الاجراءات التي يمكن للمرء اتخاذها في هذا المجال بسيطة ولا تتطلّب جهدًا أو أي تفاصيل معقّدة تُضاف إلى نمط الحياة اليومية: الهاتف الجوال يأتي في مقدّمة "الجواسيس"، قد ينقل عنّا ما لا نريد أن يستفيد منه العدوّ في أي معلومة قد تقوده إلى مقاوم. مهما بدت هذه المعلومات التي قد نتناقلها عادية بنظرنا، أو حتى معروفة. العدو يوظّف جيشًا يتتبّع هذه المعلومات ويربط بينها لتشكيل خيط يقوده إلى حيث يبحث.

والأمر لا ينسحب فقط على الاتصالات التي نجريها عبر الهاتف أو الرسائل التي نقوم بارسالها عبر مختلف التطبيقات، بل حتى بالأحاديث العادية التي قد تجري داخل البيوت بوجود هاتف جوال قريب.

في المرتبة الثانية يأتي التفاعل الإجتماعي الواقعي والافتراضي الذي ينقل أي معلومة حول مقاوم، اسمه، عمله، عنوانه، أماكن تواجده، ارتباطاته الاجتماعية، أسماء أقاربه… كل هذه التفاصيل التي نحسبها معروفة أصلًا وغير سريّة هي في هذه المرحلة محلّ بحثّ وتحرّ من العدو ولا ندري كيف قد تصله؟

لذلك، ولأن تداول هذه المعلومات لا يفيد أحدًا سوى العدوّ، فيمكن الاستغناء عن أي حديث عنها ولو في دوائر مغلقة. وما نعرفه عن أي مقاوم هو بمثابة الأمانة الكبيرة لدينا والتي لا يجب أن نحادث بها أحدًا.

ثم يأتي تداول الشائعات والأخبار غير الرسمية وتشمل أماكن الاستهدافات وأسماء الشهداء وصورهم. تشكّل هذه "المعمعة" التي تجري تواصليًا عقب كلّ استهداف بنك معلومات هائل للعدو. يتتبّع أدقّ تفاصيلها. من الجيّد الصمت وانتظار البيانات الرسمية وعدم تناقل أو تداول كلّ ما ينافيها ولو على سبيل الاستنكار أو التكذيب.

ويأتي إلى جانب هذه النقطة موضوع التصوير الذي قد يكون عفويًا في أماكن الاستهداف وهي خطيئة قد يقع فيها أي منا في أي لحظة. كاميرا الهاتف المتصل بالانترنت هي عمليًا كاميرا يمكن للعدو اختراقها حتى ولو لم يقم المصوّر بإرسال الصور عبر أي تطبيق. مجرّد التقاطها وحفظها في الهاتف، يعني إمكانية لوصولها إلى العين التي لا نريد لها أن تراها!

هذه الاجراءات التي لا تكلّفنا شيئًا كأفراد، بل تساعدنا في حماية المقاومين وتجعلنا مؤتمنين على حياتهم وعلى إعماء عين العدو عنهم هي مسؤولية أخلاقية ودينية ووطنية، وكلّ من يتهاون بها، بقصد أو بغير قصد، يتحمّل ذنب المشاركة في تجديد وتحديث بنك الأهداف لدى العدو… هل هناك أسوأ من أن يتحمّل أحد، بسبب الفضول أو الاستهتار أو الاستعجال أو الاستعراض، ولو حصّة تعادل حبة تراب من دم عزيز طاهر؟
"أشرف الناس" أجمل من ذلك بكثير وأنقى.. ليس علينا سوى أخذ الأمور بجديّة ووعي خطورة المرحلة، لنكون شركاء العبور إلى النصر.. ونحن أهل لذلك.

 

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف